User:Husamuddine Ismail

قدم السيد محمد المكي بن الشيخ إسماعيل الولي (1822- 1906) مع قائد الثورة المهدية محمد أحمد المهدي من الأبيض لأم درمان ( و تكتب أم درمان هكذا : أم منفصلة ثم تتلوها درمان ) في ديسمبر لعام 1884 حيث إصطحبه المهدي من الأبيض تبركاً واستئزاراً و نزل بمكان مسجده الحالي بمنتصف حي السيد المكي و المسمى بمسجد الإسماعيلية و إن كان إسم المسجد هو مسجد السيد المكي , و هومن غير مريةٍ أقدم من مسجد الخليفه عبد الله التعايشي الذي لم يكن ليجلس على سدة الحكم لولا مبايعة السيد المكي له , و مسجد السيد المكي هو مسجد أم درمان العتيق , إذ أنشاء السيد المكي مسجده في عام 1885 و أنشأ الخليفه مسجده في عام 1887 . ينحدر السيد المكي من أسرة أصولها ترجع لمنطقة منصوركتي بشمال السودان هاجرت إلى كردفان في نهايات القرن الثامن عشر بغية نشر الدين و البحث عن المعائش , إشتهرت تلكم الأسرة بالعلم و الفقه و الصلاح و الثقافة الواسعه لأربعمائة عام خلت , أي مذ عهد الدولة السنارية , و لوالده الشيخ إسماعيل الولي الفضل بعد الله في نشر الإسلام بجنوب كردفان و بتعليم الناس الفقه و السلوك و التصوف بشمال كردفان , و قد نحى ولده السيد المكي ذات المنحى بعد وفاة والده, فكان مادحا للرسول الكريم عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم, عالما بمتون و شروحات كتب التفسير و التوحيد و الفقه الحديث و اللغة, و ماهرا بشان السياسة و إن كان مؤثرا للبعد عن السلطان, وله عدد من الإخوان و الأقارب و الأصهار الذين كان لهم و مال زال دور في تاريخ السودان في مجالات القضاء الشرعي و الفقه و الأدب الصوفي و العمل الأكاديمي و الإداري و العسكري , أشهرهم قبل 127 عاماً السيد أحمد الأزهري جد الزعيم إسماعيل الأزهري , و هو رجل إشتهر بتدريس الفقه بمسجد والده بحي القبة بالأبيض, كما إشتهر بمنظومات في علوم الفقه و التوحيد و السيره , و السيد مصطفى البكري صاحب المقابر المعروفة بأم درمان , حيث كان أول من دفن بها بإشارة من الخليفة عبد الله في عام 1889 ليكون مدفناً للمسلمين من بعد, و له مؤلفات في مدح الرسول صلى الله عليه و سلم, و السيد محمد الباقر الذي عمل قاضيا شرعيا بالدولة المهدية بالجزيرة ثم توارث القضاء و تدريس الفقه و اللغة معظم إبنائه من بعده كالسيد محمد السابق و السيد الميرغني, و له من الأصهار الخليفة مساعد الأنصاري الذي لعب دورا في القتال ضد عمال و ولاة العثمانيين في باكورة الدوله المهدية , و أيضا من أقاربه إسماعيل عبد القادر الكردفاني المؤرخ الثقة الذي سطر جانبا مشرقا من دور المهدي الإصلاحي و الثوري , كما للسيد المكي عدد من الأصهار و الخلفاء و المقربين الذي استشهدوا بكرري أمام مدافع الإنجليز الحاصده, وله في زماننا هذا الكثير من الأحفاد و أبناء الأخوات و الأخوان و أبناء الخلفاء و الأصهار الذين تضيق بتراجمهم الطروس و الأرفف, أعدُّ منهم و لا أُعَدِدَهم , البروفيسور عبد الرحيم السيد كرار السيد المكي الإداري بجامعة الخرطوم و الفريق معاش محمد مولى السيد كرار السيد المكي, و السفير بكري الأزهري ,و مكي حسن أبو مدير قوات الشرطة الأسبق, و الدكتور علم الدين الشبلي نجل الشيخ الجليل الطاهر الشبلي , و الدكتور الطاهر الشبلي الأستاذ السابق بجامعة الخرطوم, و هو الطبيب السوداني الأول الذي يحتل مركزا مرموقا بين 100 طبيب في العالم حسبما صنفه المركز العالمي للسير الذاتية, سبقه بذلك أخيه الدكتور مكي الشبلي وكيل كلية الخرطوم للعلوم الطبية و التكنولوجية و الأستاذ السابق بجامعة الخرطوم و الذي ذكر إسمه غيرمرة في طبعات سلسة Who is Who , و البروفيسور الراحل صديق أحمد إسماعيل الذي أطلقت كلية الدراسات العليا بجامعة الخرطوم إسمه على إحدى قاعاتها في حياته و أخيه الدكتور إسماعيل أحمد إسماعيل المحاضر السابق بكلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم , و الأستاذ الشيخ عبد الرحيم إبراهيم السيد أبو الغيث الشيخ إسماعيل المحاضر بجامعة القرآن الكريم و دكتور المفتي طبيب الأطفال الشهير, و آخرين كثرٌ حفلت بسيرتهم أدبيات الطريقة الإسماعيلية و أروقة العمل السياسي و الرياضي و الإجتماعي. و ذرني أخي القارئ وأبصارك المصونة و أسماعك الكريمة أمتع هذه و أشنف تلك بسرد أسماء كوكبة من فرسان و فارسات السودان الذين ثووا بحي السيد المكي أو ممكن كانوا ذوي صلة به و سطروا الجانب المشرق من تاريخ السودان السياسي و الثقافي و الإجتماعي و الإقتصادي و الرياضي . فقد سكن بحي السيد المكي الأميرالاي عبد الله بك خليل رحمه الله أول سكرتير لحزب الأمة و رئيس وزراء السودان في عهد حكومة الأزهري إبان الإستقلال و شيخ علي عبد الرحمن الضرير رئيس حزب الشعب الديمقراطي في ذات العهد , و سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الأستاذ عبد الخالق محجوب رحمه الله , و الفنان عبد الكريم عبد الله مختار كرومة, كما و ارتاد الحي الفنان كمال ترباس و محمد ميرغني ردحا من الزمان, و مكث قبلهم الشاعر أبو آمنه حامد رحمه الله مع صحبه الكرام بداخلية منزل الأميرالاي عبد الله خليل, و أتى إليه من جزيرة توتي القديمة آل الضرير الذين إحترفوا تدريس الفقه المالكي و علوم اللغة مذ عهد الدولة المهدية , و أقام به الشيخ الجليل الطاهر الشبلي مدرسة الهداية في عام 1912 و التي هي أول مدرسة أهلية أوليه في أم درمان و التي تخرج منها عدد من رجالات المجتمع السوداني أشهرهم الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري, كما سكن الحي رجل الأعمال الراحل مصطفى كيشو بلكوندته الشهيرة بلكوندة الهلال,و من قبلُ إستضاف هذا الحي ذرية الأستاذ محمد عثمان الختم بدار السيد محمد المكي وقت أن كان للخليفة عبد الله خلاف مع علماء السودان و بيوت الدين في مسائل فقه الدولة و السياسة, و في ذات الدار, ثوى السيد الميرغني سبط السيد المكي و أزواجه المصونات بعضاً من زمانٍ مصيراً داره وقفا للطريقة الإسماعيلية , تقام فيها حلقات الذكر و تدريس التوحيد والفقه إلى ساعتنا هذه, وفي داره هذه, إستقبل السيد الميرغني صديقه السيد عبد الرحمن المهدي رحمهما الله غير مرة, كيف لا وقد كانا زميليْ علمٍ و درسٍ على يد قاضي الإسلام محمد أحمد الشهير بود البدوي ,و في الناحية الشرقية من هذه الدار , سكن السيد مصطفى البكري من قبل , وهو صاحب الجبانة المعروفة و التي ترقد فيها أعظُم جلَّ أهلِ أم درمان القديمة, كما و سكن به من بعد المادح علي مشي و أخيه الخليفه محمود مشي رحهما الله, و مكث به اللواء دكتور محجوب التجاني الرشيد زماناً, و الرياضي المخضرم بكري (التقر) لاعب المريخ و أبوه موسى نوري ضابط السجون القدير, و بدر الدين أبو رفاس الإداري الشهير بذات النادي و فارس الشرطة زمان النميري و المدرب إبراهيم خالد مدرب الأثقال , و بروفيسور صديق الضرير , كما قطنه من الذين إرتحلوا من هذه الفانية وزير العدل زمان النميري أمين الشبلي, و دكتور إسماعيل الكامل السيد محمد السيد الباقر الشهير بكامل الباقر مدير جامعة أم درمان الإسلامية الأسبق و أخيه مكي السيد لاعب الهلال في الخمسينات وشاعر رائعة عبد العزيز محمد داوود "أينعت" ومن قبلهما أبوهما السيد محمد السابق الأستاذ بمعهد أم درمان العلمي و هو نجل السيد محمد الباقر بن الشيخ إسماعيل, ولن أنسى إسماعيل عبد الرحيم أحد الخريجين الأوائل من كلية غردون التذكارية و السفيرالشاعر الأنيق الباقر السيد محمد الباقر شاعر أغنية ليالي يا ليالي, و الخليفة إبراهيم مرزوق و أخيه القانوني دكتور الطاهر مرزوق , و خرج فيه إلى الوجود مدثر البوشي أول وزير للعدل في عهد الإستقلال. و سكنّ به رائدات التعليم الأستاذات نفيسة حامد و فاطمة محمود الرشيد و ثريا عامر و رحمهنَ الله هذا و الأستاذتان آمنه أسماعيل يس عائشة عبد القادر أنسأ الله أيامهما. و أما الأسر التي زينت الحي بسكناها فيه مذ هجرتها إلى أم درمان من شتى بقاع السودان في آواخر القرن التاسع عشر و بدايات و ثلث القرن العشرين الأول, فهم آل الجبلاب و آل الأشقر و آل الخليفة عبدون محمد خليل و آل الخليفة محمود مشي و آل البكري جابر و آل محمود الرشيد و آل الخليفة هاشم وآل الخليفة عوض حنين و آل جرجس, و آل محمد صالح أرو أصحاب مسجد ود أرو القديم, و آل بلال و آل تركي و آل هواري و آل خال العيال و آل البدري و آل الخليفة خير السيد و آل البارودي و آل يونس و آل تميم ,وأسرة إبراهيم عبد اللطيف و آل صيصة , كما و آل العيدروس و آل خليل و آل حنين و آل الشيخ الطيب و آل السماني و آل حلمي وآل عبد الفضيل و آل جادو و آل رشدي و آل مية و آل كبوشية و آل عبد الباسط حسنين و آل شلبي و آل محمد البشير و آل القبابين و آل الشفيع و آل البشرى, و آل العماس و آل التقر وآل الباشا و آل بلال و آل القرمانية أو القيراونية و آل النحاس و آل فايد موسيليني و آل عثمان أب كريق, و آل صالح داوود و آل التاج يعقوب و آل عربي و آل فرقعون و آل توفيق , و آل الضوي و آل داوود و آل جبارة و آل عبد الحافظ و آل حمد النيل و آل زمزومة, و آل كُلُبُّس و آل منيوس و آل حنا و آل أبادير , و آل الشريف الثوري وآل المنير و آل الخزين و آل راشد و أسرة القائد النجومي المقدام , كما و آل عبيد الله و أسرة العجب شيخ الربع الثالث و أستسمحُ القارئ الكريم أن أضرب له مثلاً تمازجَ الأسر التي ذكرنا على إختلاف أديانهم و هواهم السياسي. فما فتئت أسرة آل جرجس – وهم من الأقباط الذين سكنوا الحي مذ عهد الخليفة عبد الله- أن تُهديَ البخور لمسجد السيد المكي مذ زمن بعيد, و ما فتئ جيرانهم يقيمون أتراحهم بمنزل آل جرجس و يرفعون الحداد على موتاهم في باحة بيتهم الفسيح , و بل و مافتئ سكان الحي يقيمون إفطاراتهم الجماعية بدارهم العامرة , بل و يصلون المغرب على مصاليهم و يتلقون العزاء منهم بجبانة السيد البكري العتيقة , و مافتئ حي السيد المكي يزدانُ ببيوت الإتحاديين و حزب الأمة و الشيوعيين, متعايشين في غيرما ضغينة و إحن , متصاهرين في مودة و رحمة , فأقول لكل من قطن عواصم العرب التليده و مدن إفريقية العتيقة كالقدس و بغداد الرشيد و دمشق أمية و صنعاء حميَر, و كقاهرة المعز و تمبكتو و القيروان و طنجة, أقول له أين تجد تمازجا كهذا و سماحة كتلك و فسيفيسائية مزادنةً بعبيرِ الصفح و الود و الرحمة و الإخاء كالتي تشهدها بحي السيد المكي؟ و أعقبُ قولي للمارين بشارع السيد علي (و هو السيد علي بن السيد محمد عثمان الأقرب بن السيد محمد الحسن أبو جلابية بن محمد عثمان الميرغني الختم) و هو الشارع الذي ينصف الحي في و في ذات الوقت يربط منزل الأزهري و مسجد العلامة الضرير بمنزل الأميرالاي عبد الله خليل, أقول لهم أن تخوم الحي هي كالآتي : من الناحية الشمالية الغربية يحد الحي إستوب مكي ود عروسة و هو يسكن بحي الركابية و هو حي عريق آخر, و مكي ود عروسة ذاته سميت عليه محطة ترماي سابقة و محطة بص لاحقة , و من الناحية الغربية يحد الحي شارع الوادي أو شارع الخليفه كما يروق للأمدرمانيين القدامى – رحمهم الله و أمد في أيام الباقيين – أن يسموه , و من الناحية الجنوبيه يحده مثلث مجمع سوق الهواتف الجوالة قبالة ميدان الشهداء العريق, ومن الناحية الشرقية شارع الهجرة الذي تزينه صينية أزهري , و من الناحية الشمالية الشرقية يحده إستوب ود أرو , و يحده شمالاً شارع أبو روف, و يتوسطه ميدان الحديد الذي دُفنت به أعظُم بعضاً من أجداد الأم درمانيين النبلاء من لم تسعفهم جراحهم أن يتحرفوا للقتال بعد معركة كرري أو ينحازوا إلى فئة, و الميدان ذاته صار يستضيف سيارات جيران الحي في وقتنا هذا و سيستضيف حفل الذكرى ال 127 لإنشاء الحي في ديسمبر لهذا العام بإذن الله.

و أجزم قاطعاً ان حي السيد المكي هذا إن كان في بلاد مصر أمنّها الله, لجعلته وزارة السياحة المصرية معلماً سياحياً تُـشَـدُّ إليه الرحال على كل ضامرٍ , و لأبدلت كشك بسط الأمن الشامل الذي هو في منتصفه كشكاً ييبتاع السياح منه التذاكر, ليعود ريعها نظير التجول فيه على أهل أم درمان بالخير, و لجعت منازله القديمة آثاراً ترعاها كحال حي الحسين القديم بوسط القاهرة, و لأحالت ميدان الحديد مربطا لخيل السياح , يجولون بها أزقته على غرار سياح إهرامات الجيزة التي قُبر بها أحفاد نوبة دنقلا العجوز أسَّ الحضارة الفرعونية, و أحسب ان وزارة السياحة السودانية أحرى من أختها المصرية بهذا.

فلك السانحة أخي القارئ أن تتساءل : أي حيٍ هذا الذي خرّج قادة هذه البلاد في غيرما مجالٍ زمانَ أن كان للسودان صولة بين العرب و الأفارقة ؟ و أي بركات جعلها الله في عرصات هذا الحي و في أزقته القديمة كي تنشئ يُـفـّعاً فيصيروا رجالاً كمن ذكرنا ؟ و أي نسمات تنشقها سكان هذا الفريق فسرت في أوصالهم الرحمة مفتقةً قرائحهم على الإبداع و طباعهم الدمِثة على الظرافة و حسن المعشر؟ و أي أقدار تلك التي جمعت الأزهري و عبدالله خليل و علي عبد الرحمن و عبد الخالق محجوب و كرومة و كيشو في شارعٍ واحد ؟ و أي حكمة ربَانية تلك التي أسكنها الله في حي السيد المكي فمزجت الدين و الفن و الرياضة و السياسة في باحة واحدة و وآنٍ واحد ؟ وأي ورعٍ ألبسه هذا الحي ساسة البلاد الذين قطنوا به فخرجوا من دنيانا إلى ربٍ غفورٍ رحيمٍ مرهوني المنازل مديوني الجيوب لا ميراث لهم سوى حسن الصيِّت و بركة العَقَاب؟ أجزم يقيناً أنها بركات الرجل الصالح نجل الشيخ إسماعيل الولي , السيد محمد المكي, الذي ما قام عن مجلس و إلا و قام جلساؤه منه علماء عاملين , و ما تفل في داء و إلا و كان له دواء, و الذي مدحه فيمن مدحه سليمان أحمد أبارو في سماطيته الخماسية المسماة هب النسيم بأبايت إنتقيتها مرصعاً بها مقالي: و محمد المكي ذاك المجتبى إبن الولي الُمنـتقى و المُستَمَى فأنار منه الكونُ ثم كذا الحمى و كأنه مثلُ الهلال له النما

                             يا ليت شعري هل لديكم أ ُحْشرُ

فهُو المُعظَمُ و المُفخَمُ في الملا ذو الهِمَةِ العَليْاءِ , نال ذُرا العُلا ورفيعُ سودانٍ تشامخ َو اعْتلا بلْ ذا حِكِمْدارُ الزَمانِ بلا مِرا

                              فهو الموقَّرُ و المُسمَى جَعْفَرُ

أبناءُ أستاذي جميعاً أنجُم و كانَّهم درٌ فخيم ينظم و يتيمةُ العقد البهيّ الأكرمُ فالسيد المكي ذاك معظمُ

                                    في أي وقتٍ أو زمانٍ أشهرُ

أدام الله أم درمان الفتية محضنا لقادةِ هذا البلد الذي هو في أمس الحاجة لتوجعنا له و تداعينا على ما تبقى من أوصاله بالسهر و الحمى , و دامت مدن السودان القديمة و أحياءه العتيقة وأصقاعه المترامية الزكية مبعثاً لكل فتىً ألمعيٍ فطنٍ يحمل الخير للناس بين جوانحه و الزهد في الفانية بين أضلعه لأجل إسعاد هذا الشعب الصابرالطيب.